تقني1 – حيث تصنع التقنية بسحر المعنى

منصة عربية رائدة تُبسّط عالم البرمجة، الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي لك، بأسلوب عملي وراقي. محتوى دقيق، محدث، وموثوق، يُلهمك لتكون جزءًا من المستقبل التقني.

التحديات القانونية للذكاء الاصطناعي: من يضع القواعد؟

التحديات القانونية للذكاء الاصطناعي: من يضع القواعد؟

ذكاء يصنع الفرق:

شفرة المستقبل وقانون الأمس:

تخيل أنك تبني أسرع سيارة سباق في العالم. لكن كتيب الإرشادات الوحيد لديك مكتوب لعربة يجرها حصان. هذا هو بالضبط المأزق الذي نعيشه اليوم مع الذكاء الاصطناعي.

 فقوانيننا الحالية صُممت في حقبة لم تكن فيها الخوارزميات تتخذ قرارات مصيرية بشكل مستقل. وبينما تتسابق الآلات نحو المستقبل بقدرات تفوق الخيال.

التحديات القانونية للذكاء الاصطناعي: من يضع القواعد؟
التحديات القانونية للذكاء الاصطناعي: من يضع القواعد؟

 يظل السؤال معلقًا في الهواء: من يكتب لها قوانين السير؟ وكيف نضمن أن هذه القواعد تحمينا جميعًا بدلاً من أن تقيد إمكانياتنا اللامحدودة؟ هذا هو التحدي الأكبر في عصرنا الرقمي.  

أ/ المسؤولية في عصر الخوارزميات: من يدفع ثمن الخطأ؟

عندما تتسبب سيارة ذاتية القيادة في حادث أو يخطئ نظام ذكاء اصطناعي في تشخيص طبي. يبرز سؤال قانوني معقد: من المسؤول؟.

 إن الأطر القانونية التقليدية. المبنية على فكرة الفاعل البشري. تجد نفسها في مواجهة فراغ تشريعي هائل.

فهل تقع المسؤولية القانونية على المطور الذي صمم الخوارزمية. أم المستخدم الذي أعطى الأمر. أم الشركة المالكة للنظام. أم ربما على النظام الذكي نفسه؟.  

تتفرع هذه المعضلة إلى بعدين رئيسيين. الأول هو المسؤولية المدنية. التي تهدف إلى تعويض الضرر، وهنا تصطدم المفاهيم الراسخة بواقع جديد.

 فالمسؤولية التقصيرية تتطلب إثبات وجود خطأ أو إهمال، وهو أمر شبه مستحيل حين يكون مصدر القرار "صندوقًا أسود" خوارزميًا لا يمكن تفسير منطقه الداخلي بسهولة.

 أما المسؤولية العقدية فتفشل في تغطية الأضرار التي تسببها أنظمة تتعلم وتتصرف باستقلالية خارج حدود أي عقد مبرم.

 وحتى فكرة "حارس الأشياء". التي تحمّل مالك الآلة مسؤوليتها. تبدو غير كافية عندما تكون "الآلة" قادرة على اتخاذ قراراتها الخاصة.  

البعد الثاني هو المسؤولية الجنائية. وهي أكثر تعقيدًا. فالقانون الجنائي يفترض وجود أهلية قانونية ونية إجرامية لدى الفاعل. وهي صفات بشرية بحتة لا يمكن نسبتها إلى كيان اصطناعي.

إن دراسات الحالة الواقعية تزيد المشهد تعقيدًا. حوادث مثل حادثة "أوبر المميتة" عام 2018 أو أخطاء التشخيص الطبي بالذكاء الاصطناعي تكشف عن شبكة متداخلة من المسؤوليات بين المصنع والمطور والطبيب والمستخدم، مما يؤكد أننا لم نعد نتعامل مع أخطاء فردية بل مع أخطاء نظامية.

إن هذا التحول الجذري يفرض على القانون التطور من محاسبة الأفراد إلى تدقيق واعتماد الأنظمة بأكملها. فالمساءلة لم تعد تتمحور حول شخص، بل حول منظومة متكاملة.  

ب/ خصوصية البيانات في الميزان: هل أصبحت معلوماتنا وقودًا للآلات؟

تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي في جوهرها على البيانات. فهي الوقود الذي يشغل محركاتها وقدرتها على التعلم والتطور. كلما زادت كمية البيانات ونوعيتها. أصبحت النماذج أكثر دقة وذكاءً.

 لكن هذا الاعتماد المطلق على المعلومات يضع خصوصية البيانات في قلب العاصفة. فجمع كميات هائلة من البيانات الشخصية. غالبًا دون علم أصحابها أو موافقتهم الصريحة. أصبح ممارسة شائعة لتدريب هذه الأنظمة.  

اقرأ ايضا: الروبوتات والذكاء الاصطناعي: من المصانع إلى منازلنا

تتعدد المخاطر التي تهدد خصوصيتنا في هذا العصر. فإلى جانب الجمع غير المصرح به. تبرز مشكلة إعادة استخدام البيانات لأغراض تختلف كليًا عن تلك التي جُمعت من أجلها.

 كما أن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل بيانات المراقبة بكفاءة غير مسبوقة تفتح الباب أمام أنظمة ترصد شاملة قد تنتهك أبسط حقوقنا الأساسية.

 ولا يمكن إغفال أن هذه المستودعات الضخمة للمعلومات الحساسة تجعل أنظمة الذكاء الاصطناعي هدفًا ثمينًا للهجمات السيبرانية. مما يرفع من خطر تسرب البيانات على نطاق واسع.  

في مواجهة هذه التحديات. بدأت الأطر التنظيمية بالتشكل كخط دفاع أول. وتعتبر اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي (GDPR) حجر الزاوية في هذا المجال، حيث تفرض مبادئ صارمة مثل "تقليل البيانات" (جمع الحد الأدنى الضروري فقط) و"تقييد الغرض" (استخدام البيانات للغرض المحدد الذي جُمعت من أجله).

 وعلى خطاها، يأتي قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي (EU AI Act) كأول تشريع شامل يهدف إلى تنظيم هذه التقنية، حيث يصنف التطبيقات حسب درجة خطورتها ويحظر بشكل قاطع الممارسات التي تشكل خطرًا غير مقبول على المجتمع، مثل أنظمة التصنيف الاجتماعي.

 لكن التحدي الأعمق يكمن في التوفيق بين طبيعة الذكاء الاصطناعي الاستكشافية التي تبحث عن أنماط غير متوقعة، وبين مبادئ الخصوصية التي تقيد استخدام البيانات لغرض محدد مسبقًا.

ويبدو أن الحل المستقبلي لن يكون قانونيًا فقط. بل تقنيًا أيضًا. عبر فرض استخدام تقنيات معززة للخصوصية تسمح بتدريب النماذج دون كشف البيانات الخام.  

ج/ شبح في الآلة: كيف يتسلل التحيز البشري إلى قرارات الذكاء الاصطناعي؟

أحد أخطر التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي هو التحيز الخوارزمي، وهو ليس خطأً تقنيًا في الكود البرمجي، بل هو انعكاس للتحيزات الموجودة أصلًا في مجتمعاتنا، والتي تتسلل إلى الأنظمة الذكية عبر بيانات التدريب التي تتغذى عليها.

 فعندما يتم تدريب خوارزمية على بيانات تاريخية تعكس تمييزًا قائمًا على العرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي. فإنها لا تتعلم فقط أداء مهمة معينة، بل تتعلم أيضًا تكرار وتضخيم ذلك التمييز بغطاء من الموضوعية الزائفة.  

الأمثلة الواقعية لهذا التحيز صادمة ومقلقة. ففي نظام العدالة الجنائية بالولايات المتحدة. أظهرت أنظمة تقييم المخاطر تحيزًا واضحًا ضد الأقليات العرقية، حيث صنفت المتهمين السود بشكل خاطئ على أنهم أكثر عرضة للعودة لارتكاب الجرائم.

 وفي مجال التوظيف. اضطرت شركة أمازون للتخلي عن أداة توظيف آلية بعد أن تبين أنها تميز ضد المتقدمات من النساء، لأنها تدربت على بيانات سير ذاتية تاريخية كان أغلبها لرجال.

ويمتد هذا الخطر ليشمل قطاعات حيوية أخرى مثل الخدمات المالية، حيث يمكن رفض طلبات قروض بشكل غير عادل. والرعاية الصحية،حيث قد تكون التشخيصات أقل دقة للمجموعات السكانية غير الممثلة بشكل كافٍ في بيانات التدريب.  

إن التحيز الخوارزمي يحوّل التمييز من فعل فردي قد يكون ناتجًا عن حكم مسبق. إلى عملية ممنهجة وآلية يمكن تكرارها ملايين المرات في لحظات.

وهذا يتحدى جوهر قوانين مكافحة التمييز التقليدية التي غالبًا ما تركز على إثبات "نية" التمييز لدى الفاعل البشري. فالآلة ليس لديها "نية". هي فقط تنفذ معادلات رياضية.

لذا، يجب أن يتغير التركيز القانوني من محاولة إثبات "العقل المذنب" إلى إثبات "النتيجة الضارة".

وهذا قد يتطلب تحولًا جذريًا في عبء الإثبات. بحيث يقع على عاتق مطوري الأنظمة إثبات عدالة خوارزمياتهم. بدلاً من مطالبة الضحايا بإثبات أنها تمييزية.

د/ الإبداع الآلي وحقوق المؤلف: من يملك الفن الذي تصنعه الخوارزمية؟

لقد هز الذكاء الاصطناعي أسس قوانين الملكية الفكرية من جذورها. مثيرًا تساؤلات لم تكن في الحسبان. فالتحدي هنا مزدوج ومعقد.

 من جهة، هناك "مشكلة المدخلات": هل يعتبر تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على مليارات الصور والنصوص والأعمال الفنية المحمية بحقوق الطبع والنشر، والتي تم جمعها من الإنترنت. انتهاكًا جماعيًا وغير مسبوق لحقوق المبدعين؟

ومن جهة أخرى. هناك "مشكلة المخرجات": عندما تقوم خوارزمية بتوليد قصيدة شعرية أو لوحة فنية أو حتى اختراع جديد.

 فمن هو المالك؟ هل هو المطور. أم المستخدم الذي أدخل الأمر. أم الآلة نفسها؟ وهل يمكن حماية هذا العمل أصلًا بموجب قوانين صُممت للإبداع البشري؟.  

هذه الأسئلة لم تعد نظرية. بل أصبحت محور معارك قضائية كبرى ستشكل مستقبل الإبداع. قضية شركة "Getty Images" ضد "Stability AI" تتناول بشكل مباشر استخدام الصور المحمية في تدريب النماذج.

 ونتيجتها قد تعيد تعريف مفهوم "الاستخدام العادل" في العصر الرقمي. وفي قضية أخرى. يقاضي فنانون منصات مثل "Midjourney" و"DeviantArt" بتهمة استخدام أعمالهم وأساليبهم الفنية الفريدة دون إذن، مما يهدد سبل عيشهم.

إن المواقف القانونية حول العالم لا تزال متباينة. فبينما يصر القضاء في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أن حقوق النشر تتطلب "مؤلفًا بشريًا"، مما يترك الأعمال المولدة بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي في فراغ قانوني. تتخذ دول أخرى مواقف أكثر مرونة. مما يخلق حالة من عدم اليقين العالمي.

 هذا الوضع يخلق مفارقة اقتصادية غريبة، فالشركات تستثمر المليارات وتواجه مخاطر قانونية هائلة لتطوير تقنيات تنتج مخرجات قد لا تتمكن من امتلاكها أو حمايتها قانونيًا، مما قد يدفع بنماذج الأعمال المستقبلية بعيدًا عن بيع "المحتوى" نفسه. والتركيز بدلاً من ذلك على بيع "الوصول" إلى أدوات الإنشاء.  

هـ/ وفي الختام: الحوار هو البداية... شاركنا رأيك!

نحن نقف اليوم عند مفترق طرق تاريخي. فمن تحديد المسؤولية القانونية عن أخطاء الآلات. إلى حماية خصوصية البيانات في عالم متعطش للمعلومات.

 ومنع التحيز الخوارزمي من ترسيخ الظلم، وصولًا إلى إعادة تعريف الإبداع والملكية الفكرية. كل هذه التحديات تؤكد أن القواعد القديمة لم تعد كافية لمواكبة سرعة التطور التكنولوجي.

إن كتاب القوانين الخاص بالذكاء الاصطناعي لا يزال مفتوحًا. والسطور القادمة ستُكتب من خلال الحوار المجتمعي والنقاشات التشريعية والقرارات القضائية التي ستشكل مستقبلنا الرقمي.

هذا الحوار ليس حكرًا على الخبراء والمشرعين. بل هو مسؤوليتنا جميعًا. ما هو التحدي القانوني الذي تراه الأكثر إلحاحًا؟ وكيف يمكننا تحقيق التوازن بين تشجيع الابتكار وحماية حقوقنا الأساسية؟

شاركنا برأيك في التعليقات أدناه. فصوتك جزء أساسي من بناء مستقبل عادل ومسؤول للذكاء الاصطناعي.

اقرأ ايضا: البوصلة الخوارزمية: تفكيك محركات التوصية القائمة على الذكاء الاصطناعي في نتفليكس وأمازون

هل لديك استفسار أو رأي؟
يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال